الاثنين، 20 يونيو 2011

"يهودية الدولة" ما بين الجبهة والتجمّع


"يهودية الدولة" ما بين الجبهة والتجمّع




أيمن عودة
الجمعة 15/10/2010

نقاش ودّي مع شباب "التجمّع" الذين التقيتهم..

// قبل أسبوعين التقيت مع مجموعة من "شباب التجمع الوطني الديمقراطي"، كان الحوار معهم عميقًا وفي مركزه العلاقة بين الجبهة والتجمع، وادعائي حول هجوم التجمّع المتواصل على الجبهة، وآخرها تخصيص ملحق "فلسطين" في صحيفة "السفير" اللبنانية لمقالات كتبها قادة "التجمع" وقد خصّص كل واحد منهم فقرة للطعن في الحزب الشيوعي، إلى سائر المقالات المتكررة في "فصل المقال" حتى الأسبوع الأخير.
يمكن التعامل مع هؤلاء الشباب فقط بطريقة واحدة، الطريقة العلمية واحترام العقل.
لهؤلاء الشباب أكتب هذا المقال.

*ما وراء هذا الهجوم الدائم؟!*

قبل انتخاب حنين زعبي للكنيست كتبتْ هي مقالا يبرر التقارب بين التجمع والحركة الإسلامية وموجَّها للجبهة بالكلمات التالية: "إن ما يجمعنا مع الحركة الإسلامية أكبر من علمانية جمعتكم مع الشاباك"!
لم نردّ على هذا التصريح البائس بأكثر من ابتسامة شفقة.
 في كل مرحلة الانتخابات لم تكتمل مداخلة زعبي إلا بالهجوم على الحزب الشيوعي حصرًا (وليس الجبهة) وكنت قد شاركتها في لقاءين استهجنتُ فيهما مدى كراهيتها العميقة والدفينة للحزب الشيوعي.
بعد انتخابها للكنيست استضافها يرون لوندون وموطي كرشنباوم في برنامجهما على القناة العاشرة. وسألاها عن بعض "العرب الصالحين" في منطقة الناصرة أيام الحكم العسكري (وهو سؤال مرفوض، جملة وتفصيلا، من وجهة نظري) فأجابت النائبة بتفهّم مستهجن: "هؤلاء كانوا من جيل المتأقلمين".
حينها، أراد احدنا أن يكتب مقالا عمّن تهاجم الشيوعيين القدامي وتتفهّم "المتأقلمين" القدامى، ثم تراجع معللا ذلك بأنها ما زالت في أول الطريق.
قبل نحو شهرين تحدثنا  للجمهور المتظاهر قبالة مكتب وزير الداخلية من أجل حق أهالي العراقيب بالاعتراف والبقاء، فقالت النائبة زعبي: "نحن نقبل بأن يشارك معنا في المظاهرة يهود ولكن يهود غير صهيونيين فقط".
حينها أردت كتابة تعليق بأننا في النضال من أجل العراقيب نؤيد النضال المشترك مع اليهود غير الصهيونيين ومع صهيونيي ميرتس ومع كل من يوافق على الاعتراف بقرية العراقيب. أردت أن اكتب اننا نريد أن نقنع الصهيوني البشع إيلي يشاي وزير الداخلية من أجل الاعتراف بالقرية. أردت أن اكتب عن "الغنج الأيديولوجي" وعن استعلاء من يذهب للاستحمام في المياه الحارة والمنعشة مخلفًا وراءه أناسا ما زالوا يجرّون المياه من النبعة القديمة. إن الجبهة التي تضم عربًا ويهودًا معادين للصهيونية حصرًا، تؤيّد الشراكة مع كل من يؤيّد الاعتراف بالعراقيب وتختلف معه في قضايا جوهرية أخرى.
ولكن لم أكتب في النهاية باعتبار أن الوحدة في قضية العراقيب قد لا تحتمل مثل هذه النقاشات.
 قبل الإضراب الأخير بأسبوع كتب سكرتير التجمع عوض عبد الفتاح (وهو الأكثر حماسة للتحالف مع التيار الإسلامي) عن دور التيارين القومي والإسلامي في استثمار مرحلة ما بعد "أكتوبر 2000".. مقابل "تخاذل" الجبهة! ولكنّا قرّرنا عدم مناقشته لتمرير يوم الإضراب بأوسع وأعمق وحدة.
وفي الأسبوع الأخير (فصل المقال 8.10.2010) قرّرت النائبة حنين زعبي أن تهاجم الجبهة في معرض حديثها عن "يهودية الدولة" بمقال كتبت فيه: "وكل محاولة لمواجهة العنصرية الحالية بخفض الصوت، أو بالتسويق لردود فعل حزبية أو فردية، أو بمواجهة الناس بأننا "مسؤولون" و "عقلانيون" بينما غيرنا ليس كذلك. هو الانسجام التام مع جو التخويف الذي تهدف العنصرية انتاجه.".
للردّ على اتهام الجبهة بـ"خفض الصوت" "والانسجام مع حالة التخويف" في مواجهة "يهودية الدولة"! يهمّني أن أناقش (لا اهاجم) بأسلوب أريده علميا وموضوعيا، في محاولة لوضع حدّ لهجوم فئوي ومغالطات مقصودة، هي برأيي تفيد أعداء شعبنا وأعداء وحدتنا بشكل مباشر.

*موقف التجمّع من "يهودية الدولة"*

قبل الخوض في الردّ على اتهام النائبة زعبي للجبهة بـ"خفض الصوت والانسجام مع حالة التخويف" سأعرض تفاعل التجمّع ذاته مع موضوع "يهودية الدولة" بالبيّنات والقرائن الموضوعية.
التجمع اعتبر "دولة كل المواطنين" محوره الرئيسي في مواجهة "يهودية الدولة". ولكن هذا المحور تداعى في كل مواجهة مع المؤسسة الإسرائيلي.
وأدعو الشباب التجمعيين إلى أن يقرأوا معي ما قاله محامي عزمي بشارة في قضية شطب قائمة التجمع يوم 31.12.2002: "مجرّد أن يقول عضو الكنيست عزمي بشارة "دولة كل مواطنيها" فهذا لا ينفي كون اسرائيل "دولة يهودية وديمقراطية"، خصوصًا عندما يقول "نعم" لحق تقرير المصير لليهود في إسرائيل" ثم يُضيف: لهذا لا نرى أنه توجد مشكلة في قضية الدولة اليهودية الديمقراطية.  (ترجمة حرفية من موقع الكنيست على الانترنت).
تصريحات عزمي بشارة في لجنة الانتخابات (2003) أكدت أقوال المحامي بوضوح تام أن "دولة إسرائيل يجب ان تكون ديمقراطية في الجوهر ويهودية في الطابع" ( ص 18 و ص 23، الاقتباسات والحيثيات الكاملة ما زالت في موقع الكنيست www.knesset.gov.il ).
في نشرة "التجمع" لانتخابات الكنيست 2003 جاء على لسان عزمي بشارة: "نحن نريد تحويل إسرائيل من دولة يهودية في جوهرها ودمقراطية في طابعها، إلى دولة ديمقراطية في جوهرها ويهودية في طابعها". وتشير النشرة إلى لقاء أجراه الكاتب علاء حليحل مع عزمي بشارة حيث يقول بشارة: "نريد إسرائيل يهودية في الطابع، ديمقراطية في الجوهر". ( نشرة التجمع من 28.12.2002 وصحيفة "الناس" موجودتان وموثقتان لمن تهمه التفاصيل).
سأترك لشباب التجمع تقييم هذا التراجع (الانتهازي أو الهروبي أو المصلحيّ أو..) ولكن المثير هو المثابرة في التراجع، أي أن الأمر ليس كبوة حصان أو نبوة سيف. ففي العام 2009 يقدم التجمع التماسا للمحكمة العليا ضد شطبه ويستند ويعتمد على مقولة القاضي أهارون براك بأنه لا تناقض بين "يهودية الدولة" و"دولة كل المواطنين"! (يمكن قراءة الالتماس في موقع "عدالة" على الانترنت).
إن الاعتماد على براك (الليبرالي والمتنور) إشكالي جدًا لسببين، الأول أنك تعتبر أن مبدأك الأساسي "دولة كل المواطنين" لا يتناقض مع يهودية الدولة! والثاني أن براك وضع عشرة تعريفات ليهودية الدولة، منها "أن الدولة اليهودية هي دولة تستقي من التقاليد الدينية، والتوراة هي الكتاب الرئيسي بين كتبها، وأنبياء إسرائيل هم أساس أخلاقياتها" (محاضرة أهرون باراك في المؤتمر العالمي للعلوم اليهودية، 1 آب 1997، وقد نُقلت إلى كتاب حرره رون مارجولين "دولة اسرائيل كدولة ديمقراطية ويهودية"، القدس 1998.) وفي ذات الالتماس جاء في أكثر من موضع اعتبار "حق تقرير المصير لليهود في بلادنا مسألة أخلاقية وشرعية" (البند 69 والبند 88 من الالتماس). إن هذا الموقف من "شرعية وأخلاقية حق تقرير المصير لليهود في بلادنا" كان عزمي بشارة قد عممه في رسالة لكل أعضاء الكنيست وسط هجوم عليه فور عودته من إحدى زياراته لسوريا، وقد تطرّق هو لهذه الرسالة في لجنة الانتخابات المركزية (2003) (صفحة 23 من النقاش في لجنة الانتخابات المركزية). 
أمام الشاب التجمعي الذي يقرأ هذه المعطيات الدامغة إمكانيتان: إما التعصّب والتشنّج والانغلاق التام، وإما أن يعترف أن الخطابات في قاعة أبو ماهر في الناصرة وفي قناة الجزيرة وأمام القوميين والناصريين في العالم العربي ضد "يهودية الدولة" تختلف جوهريا وأخلاقيا عن الخطابات في الكنيست أوقات الشدّة!
على التجمع وحنين زعبي أن يتساءلا: من الذي لم "يخفض صوته" وحسب، وإنما تراجع وتبنّى يهودية الدولة – أكثر من مرّة- في الظروف العصيبة؟
 للإجابة على هذا السؤال أنتقل إلى موقف الجبهة.

*موقف الجبهة من يهودية الدولة*

أثناء النقاش حول تعديل قانون أساس الكنيست بخصوص اعتبار اسرئيل "دولة يهودية" (1985) وقف عضو الكنيست توفيق طوبي مواجها الحكومة وأعضاء الكنيست بالموقف التالي:"جماهير الشعب العربي التي تعيش في إسرائيل، مواطني الدولة، لا وطن لها سوى هذا الوطن. هذا وطنهم، سيعيشون فيه، ويناضلون فيه من أجل مساواة حقوقهم، وفيه يريدون العيش كمتساوين بين متساوين. ولن يوافقوا على تعريفات تعني سلب حقهم في المساواة، وإلغاء حقيقة أنّ دولة إسرائيل هي دولتهم أيضًا. وسويًا مع القوى الديمقراطية اليهودية سيناضلون من أجل العيش بكرامة ومساواة. وأنا أسأل: ألا يفهم مُعدُّو هذه الصيغة أنهم بهذا التعريف يلطخون دولة إسرائيل كدولة أبرتهايد، كدولة عنصرية؟ اقتراحنا هو إبقاء النص بأن تكون دولة إسرائيل كرامةً وبيتًا ووطنًا لكل مواطنيها اليهود والعرب."  
لا شك أن أي نقاش حول موقف الحزب الشيوعي يعيد المتلقّي إلى الموقف من قرار التقسيم (1947) الذي أيّده الحزب الشيوعي في حينه. وهنا أوافق عزمي بشارة في تقييمه لهذا القرار بقوله: "بموجب قرار التقسيم، لا فرق بين مواطنة العربي واليهودي في الدولة اليهودية، وكلاهما تشتق من إقامتهم في المنطقة التي أُقيمت فيها الدولة، لا بفعل "حق عودة"، ولا بفعل رابط تاريخي، ديني أو غير ديني، لم يتوقف. وكما هو معلوم، لو لم يتم تشريد العرب من الدولة اليهودية طبقا لخطة التهجير وهدم القرى العربية التي كان من المفترض أن تكون في حدود الدولة اليهودية بموجب قرار التقسيم، لشكل العرب 45% من سكان الدولة اليهودية. أما كيف تم توفيق ذلك مع تعريفها كيهودية، فلا يبدو انه كانت هنالك حتى محاولة لتبرير ذلك، كان قرار إقامة الدولتين اليهودية والعربية سياسيا وليس أيديولوجيا أو فكريا" (عزمي بشارة 2004، كتاب "من يهودية الدولة إلى شارون" ص 36).
ومن نافل القول إن اسرائيل الرسمية التي أفرغت قرار التقسيم من كل مضامينه بتهجير الفلسطينيين واحتلال مساحات هائلة من الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية، وكذلك التمييز ضد أهل البلاد الذين بقوا في حدودها، فهذه الممارسات الإسرائيلية ألغت قرار التقسيم جملا وتفصيلا.
ولا يعيب المرء أن يعترف بأخطاء، ففي هذا المضمار قاد الحزب إلى أخطاء عينية منحرفان هما ميكونيس وسنيه، إلى أن لفظهما الحزب في العام 1965، وفي المؤتمر الثامن عشر ( كانون اول 1976) رفض الحزب مقولة رابين حول "يهودية الدولة".
بهذه المناسبة أقول لشباب "التجمّع" الذين التقيتهم أن الاعتراف الصريح بالأخطاء هي سمة قوّة ونضوج وإصرار على تجاوزها، والحلّ ليس بالانغلاق ورفض النقد.
في المؤتمر الـ22 للحزب الشيوعي (30 كانون 2  1993) طالب الحزب الشيوعي بتحويل إسرائيل إلى "دولة كل مواطنيها" (ص 58) وبعد أن أشار إلى القضايا الجوهرية طالب بتغيير رموز الدولة لتعبر عن كافة المواطنين (ص 65). وفي المؤتمر الـ23 (حزيران 1996) عاد على مطلب "دولة كل مواطنيها" رافضا التعريف "دولة يهودية" (ص 65، كتاب المؤتمر باللغة العبرية).
والحقيقة ان الحزب في ذات المؤتمر الثاني والعشرين الذي استعمل فيه المصطلح الليبرالي والفردي "دولة كل مواطنيها" قد حدّد مضامين قومية واجتماعية للمساواة تتجاوز طرح "دولة المواطنين" الليبرالي. ومن بعد ذلك لم يعد يستعمل الحزب هذا المصطلح لأنه لا يكفل الحقوق القومية والاجتماعية. وفي النهاية أو ليست الأممية الاشتراكية (المعادية للكوسموبوليتية والتي لا تقفز عن المسألة القومية واستحقاقاتها) أعمق في المساواة الجوهرانية، اجتماعيا واقتصاديا وقوميا، من "دولة المواطنين"؟!
في المؤتمر السابع للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (كانون أول 2007) جاء في باب الجماهير العربية: "أن الدولة بطابعها وجوهرها يجب أن تمثل كل المواطنين وتمثل أبناء القوميتين، أفرادًا، وجماعة، وأن لا ديمقراطية حقيقية بدون المساواة القومية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية".
في 14.11.2007 أرسل محمد بركة رئيس الجبهة ومحمد نفاع سكرتير عام الحزب الشيوعي برسالة إلى شوقي خطيب رئيس لجنة المتابعة من اجل عقد جلسة للجنة المتابعة واتخاذ موقف واضح ضد الاشتراط الإسرائيلي بالاعتراف بيهودية الدولة، وقد تمّ ذلك الاجتماع واتخذ قرار جماعيّ بهذا الشأن.
وهل بعد هذا الوضوح الساطع – في قرانا العربية وفي الكنيست- توجّه السهام على موقف الجبهة والحزب الشيوعي؟!

*دعوة للتجمّع*

برأيي ان هذا النقاش مهمّ للردّ وتوضيح الأمور، ولكنّه يبقى هامشيا في مواجهة القضية المركزية وهي الهجوم السلطوي الخطير على جماهيرنا ومكتسباتها، ممّا يستدعي وحدتنا جميعًا، جبهة وتجمّع وسائر الأحزاب دون استثناء، وإلى جانبنا القوى الديمقراطية اليهودية (والنصف ديمقراطية في قضايا عينية كالمعارضين لقوانين "الولاء" و"المواطنة").
"يهودية الدولة" تعني الانتقاص من مكانتنا، وفي بعدها الأقصى تعني تهديدًا وجوديًا، وتعني إغلاق ملف اللاجئين وتعني شرعنة "التبادل السكاني، وتعني تبنّي الرواية الرسمية الصهيونية، ويعني أن تصبح إسرائيل هي المهدَّدة وهي بحاجة إلى تجسيد حقوقها القومية وليس الشعب الفلسطيني!! لهذه الأسباب نرفض التوجّه الإسرائيلي بشأن "يهودية الدولة".
لقد "ضُبطنا مقصّرين" عندما بدأ النضال لدى "يهود تل أبيب" ضد تعديل قانون المواطنة، فقد انطلق النضال يوم الأحد بمشاركة عدد من الأدباء والفنانين اليهود، والجبهة تدعوكم للمظاهرة العربية اليهودية لـ"رفع الصوت" في عقر تل أبيب مساء غد السبت ضد القوانين العنصرية وفي صُلبها "يهودية الدولة".
بدلا من التراشق والمغالطات، أدعو لبناء استراتيجية موحّدة للجماهير العربية والقوى الديمقراطية اليهودية.

(سكرتير الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق